التراث الثقافي غير المادي في محافظة المنيا
تتميز محافظة المنيا بتراث ثقافي غير مادي يعكس عمق التاريخ وثراء الحياة الاجتماعية والروح الإبداعية لأهلها. ويتجلى هذا التراث في مجموعة من المقومات التي تشكّل هوية ثقافية متفردة تجمع بين الأصالة والتنوع، ومن أبرزها:
1- الثقافة الغذائية:
تمتاز المنيا بثقافة غذائية ريفية أصيلة، تتجسد في مجموعة من الأكلات التراثية التي تعبّر عن بيئة المجتمع المحلي وموارده. من أبرز هذه الأطعمة خبز البتاو، و الكشك الصعيدي، و الفطير والعسل الأسود، خاصة من مركز ملوي، و عسل النحل البلدي، و الجبن القروي التقليدي مثل الجبنة القديمة والمِش ، و أيضاً البيض البلدي، و هذه الأطعمة لا تُعدّ مجرد وجبات بل هي جزء من الموروث الثقافي الذي يعبّر عن خصوصية المطبخ المنياوي الريفي، ويعكس ارتباط الإنسان بالأرض والإنتاج المحلي.
2- الحرف والفنون التراثية والصناعات التقليدية:
تُعد محافظة المنيا من أبرز المحافظات المصرية التي تزخر بالفنون التراثية والحرف اليدوية المتوارثة عبر الأجيال، مثل صناعة السجاد اليدوي، والفخار، والتطريز، ومشغولات الخوص، والنقش على الخشب، وهي حرف لا تحمل قيمة اقتصادية فحسب، بل تشكّل أيضًا مكونًا أساسيًا من الذاكرة البصرية والثقافية للمجتمع، وتعكس أنماط الحياة اليومية القديمة وروح المكان. إلى جانب الفنون التشكيلية والحديثة، لا تزال هذه الحرف تحتفظ بمكانتها في الحياة اليومية، حيث يواصل الحرفيون تقديم أعمال فنية تعبّر عن الهوية الثقافية المصرية، وتُستخدم في تزيين المنازل والمباني، كما تمثل مصدر دخل رئيسي للعديد من الأسر. وتشير المصادر التاريخية إلى أن مدينة البهنسا، إحدى مدن المنيا، كانت من أهم مراكز صناعة الغزل والنسيج، وبلغت مكانتها ذروتها في العصر الفاطمي حين كانت تُصنع بها كسوة الكعبة، ما يؤكد عمق الجذور التاريخية والإبداعية لهذه الصناعات في وجدان المجتمع المنياوي.
3- الاحتفالات والمهرجانات الشعبية:
تنظم المحافظة مهرجانات واحتفالات محلية تجذب آلاف الزوار، وتُبرز جوانب متنوعة من الفلكلور المحلي، مثل عروض المديح النبوي، و الأهازيج الشعبية، و فرق التنورة، و الأغاني الفلكلورية، و كذلك عروض السيرة الهلالية، التحطيب، وفن الواو( ) ، و تجمع هذه الفعاليات بين الفن والتراث وتُعد نافذة حيوية للتعبير عن الموروث الشفهي والطقوسي الذي يميز ثقافة أهل المنيا.
4- تراث و تاريخ القبائل الثرى و المتميز في المحافظة:
تحتضن محافظة المنيا موروثًا قبليًا غنيًا يعكس تنوعها السكاني والثقافي، حيث استقرت بها عبر العصور قبائل عربية ونوبية وصعيدية تركت بصماتها واضحة في العادات والتقاليد واللغة والمظاهر الاجتماعية. تتميز هذه القبائل بتراث شفهي متميز، يتجلى في الحكايات الشعبية، والأمثال، وأشعار المربوع، إلى جانب طقوس الزواج والمناسبات الاجتماعية التي تعبر عن تماسك الجماعة وروح الانتماء. كما أسهمت القبائل في حماية وصون الحرف التقليدية والفنون الشعبية، مثل التطريز والسيرما والغناء البدوي. ويُعدّ هذا التراث القبلي ركيزة أساسية لفهم الهوية الثقافية للمحافظة، ومصدرًا مهمًا للدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية، ويسهم في جذب الزوار وتنشيط السياحة الثقافية بالمحافظة.
كما تجلّى البُعد القبلي في المنيا بشكل واضح منذ القرون الهجرية الأولى لدخول الإسلام إلى مصر، حيث استقرت في عدد من قراها قبائل عربية عريقة مثل بني أمية، وبني هاشم، وقريش، وجهينة، التي اتخذت من منطقة الأشمونين مركزًا لها. وأسهم هذا الاستقرار في تشكيل الطابع السكاني والاجتماعي والثقافي للمحافظة على مدى قرون، كما كان الحال في البهنسا وغيرها من القرى التي احتضنت امتزاجًا حضاريًا متميزًا بين السكان الأصليين والوافدين. وقد أضفت هذه القبائل بخصوصيتها وتقاليدها روحًا فريدة على البيئة المحلية، ما زالت مظاهرها حاضرة في اللهجة، والعادات، والنُظم القَبلية حتى اليوم.
